لماذا الفضاء
January 26, 2021
أتذكر عندما كنت في السادسة من عمري، كنا جميعًا نصعد لسطح المنزل الخاص بنا، أنا وأبي وأمي وأخوتي، كنا نقضي جميع ليالي الصيف على سطح المنزل، نطفئ الأنوار ونجلس لنتحدث ونتناقش عن أحوال يومنا، وكيف كان الأمر مع هذا وذاك، وبعض الأمور العائلية. لكن بالنسبة لفتى صغيرًا مثلي، فكنت أجلس أحدث النجوم دائمًا، ألعب معها، بل وأعطيها أسماءًا من وحي الخيال ليكون الأمر أكثر واقعية، حتى أنام وعيني تنظر للسماء دائمًا، لتحدث المعجزة واستيقظ وأجد عيني تنظر لسقف غرفتي بالمنزل في مكان آخر تمامًا عن أمس، ولكن لا بأس فمعادنا الليلة لنكمل حديثنا معًا. كنت أعشق السماء كثيرًا، وأحب أيّ شئ مرتفع من الممكن أن يقربني اليها، وهذا ما يراه البعض غريبًا عني، وهو إني في الحقيقة أحب الأماكن المرتفعة جدًا جدًا وإن كنت من الممكن أن أهابها قليلًا، ولكن حبي للسماء لم ولن يمنعه الخوف.
بدأ الأمر من حبي للطبيعة، وميولي التي دائمًا ما تكون لمتابعة وتأمل كل ما خلقه الله في كوننا، فكنت أحب الجبال والأنهار والغابات والمحيطات والطيور والحيوانات والنباتات جميعها، ولكني كنت طفلًا صغيرًا فقط محب للطبيعة، فكل ذلك لا يُقارن بشئ عندما تربطه بالعلم.فعندما أدركت ما مدى سعة كوننا، وأن هناك ما يُسمي بالمجرات والنجوم والكواكب وأن كل هذا يعيش في السماء، أيقنت أن الحياة على هذه الكوكب ما هى إلا لحظة في عمر أحدهم، بل وزاد الأمر عند قرائتي أكثر في الفيزياء وعلم الفلك، فأصبح شغفي بتلك العلوم والسماء بلا حدود.
أصبحت اليوم بشكل دائم أنظر للسماء، كأني أطمئن على نجماتي وأنهن بصحة جيدة، بل يصل بي الحال أحيانًا بالشعور بالضيق إذا كانت هناك عاصفة ترابية أو ما شابه تعوق رؤيتي للسماء. ودائمًا ما تكون جميع رحلاتي بها سماء صافية للاستمتاع، فمن الممكن أن تكون في صحراء أو بحر، ولكن الأهم أن هناك ما يقربني دائمًا للسماء.
شئ أخر يجب على الجميع معرفته والبعض أيضًا يتعجب منه، وهو أني لستُ بهاوٍ للفلك، فأنا لا أعلم أماكن جميع الكوكبات أو النجوم والكواكب إلا القليل، لأن كل هذه الأشياء ليست ممتعة بالنسبة لي مقارنًة بربطها بعلم حقيقي كالفيزياء. فعندما تنظر للسماء فأنت تعلم أنك تنظر للماضي بسبب آلية الضوء، ومن ثم تشعر ببعض العجز لعمرفتك بعدم القدرة على الذهاب لتلك النجوم البعيدة، طبقًا للنظرية النسببية والضوء - ما لم يحل أي جديد بها - وتربط ذلك كله بميكانيكا الكم والانفجار العظيم ونظرية الأوتار الفائقة، فكل ذلك بالنظر للسماء يُخلق لك أجواء ممتعة أكثر بكثير من مجرد الرؤية والتأمل فقط، ولذلك أحب علم الفيزياء كثيرًا وبالرغم من شدة متابعتي للسماء ولكنى لستُ مهتم بالمسمّيات أو الكوكبات النجمية أو غير ذلك.
أدرس اليوم طب الأسنان، ولا أعلم إذا كنت سأستطيع يومًا ما أن اسافر للفضاء الخارجي أم لا، لكن كل ما أعلمه إن تسخير العلوم لفهم الطبيعة - وذلك من خلال القراءة والتأمل - هو أكثر شئ من الممكن أن يتمتع به الأنسان، أينما كان ومتى أراد ذلك. لطالما آمنت بأن بالعلم يستطيع الانسان أن يفعل ما يريد.